زوجة معتقل وأم لصغار

زوجة معتقل وأم لصغارimage

26 ديسمبر 2016

أنا فتاة من أرض الغوطة الشرقية، في الثانية والعشرين من العمر، أمٌ لثلاثة أطفال أكبرهم سناُ في الصف الأول هذه السنة. اعتقل زوجي في بداية الثورة السورية عندما كان لدي ولدين وبانتظار الثالث.

عانيت كثيرا، بسبب غياب زوجي، في تدبير أمور حياتي وتأمين مستلزمات المنزل والأطفال، وخاصة في ظل الحصار المرير الذي عانت منه الغوطة بأكملها.  لم لي معين مطلقاً، فأهلي لا يستطيعون مساعدتي بسبب ضيق حالتهم المادية، ووالد زوجي ليس موجوداً هنا، مما اضطرني للذهاب إلى الشام لحاقاً به وأيضا من أجل تأمين حياة أفضل لأبنائي.  وهناك وجدت نفسي وحيدة وسط ظروف صعبة لا أستطيع تجاوزها. بدأتُ حينها بالبحث عن عمل أستطيع من خلاله قضاء حوائجي، مع العلم أنني لا أملك أي شهادة تعليمية أعمل بها، مما جعلني أبحث عن عمل مهني كالخياطة أو الحياكة أو تصنيع المجوهرات وما شابه ذلك. وجدت عملا من هذا القبيل وعملت به ولكنه لم يكن كافياً لإعالة الأولاد وتأمين الحاجات. ثم وصلني خبر أن هناك كفالة لأولاد المفقودين، لكن ما عقّد الأمر أنني لا أملك أي إثبات بأن هؤلاء الأطفال هم أبنائي وأن والدهم هو الرجل المفقود نفسه لأن زوجي كان قد أخذ معه دفتر العائلة عندما اعتقل ولا إثبات معي يساعدني ولم أجد شهوداً لإثبات الأمر. فاعتمدت على الجمعيات الخيرية ومساعدة العوام لي وكم كان هذا صعباً علي، كنت أشعر بأن الدنيا لن تفتح أبوابها لي مرة أخرى، يئست من كل شيء …. وبقيت على هذه الحال لمدة ثلاث سنوات، أصابني انهيار عصبي أثر على صحتي كثيراً، تلاه بعدها عملية استئصال المرارة ومن ثم نقص في الأكسجة. كنت أشعر بالاختناق تماماً كلما فكرت أنني قد أترك أولادي بلا أب وأم وحدهم في هذه الحياة. عندها قررت الرجوع إلى بلدي في الغوطة والعودة إلى أهلي عله يتحسن حالي بينهم، وهذا ما حصل فعلاً. رغم الحصار وقلة الموارد واختلاف ظروف المعيشة هنا إلا أنني أشعر بأن حالي أفضل بكثير مما كان عليه. وجدتُ حالة الناس هنا مختلفة، يطرأ عليهم حب العلم بغزارة. أحببت أن أكون من هؤلاء المقبلين على العلم والدراسة، فقد حُرمتُ منها في صغري. وبعيداً عن التفكير بسلبيات الأمر وجدت نفسي أبحث عن مدرسة تستقبلني كطالبة لشهادة التعليم الأساسي بعد انقطاع طال لمدة عشرة سنوات عن الدراسة. سمعت بمعهد أنامل الغوطة للطلاب والطالبات الأحرار، فسارعت في التسجيل فيه وتم قبولي والحمد لله. وما إن بدأتُ الدوام حتى بدأتِ العوائق والثغرات تظهر في مسيرتي، على رأسها: أطفالي الثلاثة فكان موضوع تركهم عند أهلي صعب للغاية، ففي وقت الدوام لا يوجد أحد في المنزل فكلٌ لديه التزاماته، وعندما فكرت في التراجع عن الأمر، رفضت أمي وساعدتني في أطفالي قليلاً.

لم يكن الجلوس على مقعد الدراسة بعد هذه الفترة من الانقطاع بالأمر السهل مطلقاً وخاصة في جلسات المواد العلمية، ولكن بفضل مساعدة معلماتي الكريمات كنت أستطيع تجاوز هذا الأمر نوعاً ما، فقد كنّ يساعدنني على تخطي العثرات وسد الثغرات الفائتة من حين لآخر.

أملي في النجاح كبير بفضل الله ومن ثم بفضل هذا المعهد والكادر التدريسي الفاضل.

وإذا تم ذلك بإذن الله سأتابع في السنة القادمة دراستي كطالبة للشهادة الثانوية كي أستطيع بعدها النهوض من جديد وبدء حياة جديدة أُعينُ بها أطفالي على نوائب الزمان وأعوّضهم بعملي عما افتقدوه خلال تلك السنوات وهم دون أب.