إرادة وعزيمة

إرادة وعزيمةimage

26 ديسمبر 2016

حينما نرى قطرات المطر اللينة تتوالى لتحفر صخرة كبيرة وتخترقها رغم ضعفها أمام قساوة تلك الصخرة، نظن أنه من المستحيل لها أن تفتتها مهما طالت ساعات هطولها وإذ بها تفعل ذلك. لقد حفرت الصخر رغم نعومتها وقساوته بسبب اصرارها، تماماً كما فعل هذا الشاب الذي تحدى الصعوبات واستطاع تحقيق حلمه في إتمام دراسته والحصول على الشهادة الثانوية ومن ثم إكمال مسيرته العلمية على الرغم من ظروفه القاسية.

أنا شاب من مواليد 1989، من حي جوبر الدمشقي المحاصر، متزوج ولديّ طفلين صغيرين وأسكن مع والدي فأنا المعيل الوحيد لهما ولزوجتي وأولادي.

هُجّرتُ من منطقتي وذهبت بعائلتي إلى منطقة أكثر أمنا وأقل استهدافا من قبل صواريخ وقذائف النظام، ولكن مع ذلك لم أستطع الاستقرار والبقاء في تلك المنطقة أو حتى في منطقة أخرى، فكلما اشتد القصف على مكان تواجدنا كنت اضطر إلى نقل عائلتي وأمتعتنا كلها إلى مكان آخر، مع العلم أن أجرة النقل من منزل لآخر مكلفة جدا ولا سيّما أننا نعيش حصاراً خانقاً يستنفذ كل ما لدينا. ولقد تعدد تنقلي من منزل لآخر أكثر من خمس مرات خلال عام واحد إلى أن استقر وضعي في منتصف السنة الحالية أي عندما كنت أسعى جاهدا للحصول على الشهادة الثانوية بفرعها العلمي.

في عام 2014 قررت الحصول على شهادة التعليم الأساسي ولكنني لم أجد مدرسة ولا معهداً لاستقبالي بسبب انقطاعي عن الدراسة لأكثر من أربع سنوات. وبعد عناءٍ مع البحث كان ملاذي الوحيد معهد أنامل الغوطة الذي سمعتُ عنه خلال بحثي فسجلت في ذلك المعهد بسرعة. ولكن كان لدي عائق كبير في أمر ذهابي وعودتي من المعهد حيث أنني أسكن في منطقة بعيدة جداً عنه وأنا لا أمتلك سوى دراجة هوائية طالما كانت تخذلني في طريقي بسبب كثرة أعطالها مما كان يضطرني للتأخر عن الدوام لأكثر من ساعة تقريباً وخاصة في أوقات هطول المطر.

ومن الصعوبات التي واجهتني أيضاً أنني لم أستطع بدايةً التوفيق بين دوامي في المعهد وتأمين مستلزمات البيت والأطفال واحتياجات والدي أيضاً. كان الأمر في غاية الصعوبة ويحتاج لصبر مرير ولكنني صممتُ أن أتابعَ مسيرتي لنيل ما سعيت له.

 وبعد شديد عناء، وبفضل تعاون المدرسين الذين طالما تعبوا معنا لنتجاوز ما فاتنا أثناء انقطاعنا عن دراستنا ومع الهمة التي كانت بداخلي استطعت الحصول على شهادة التعليم الأساسي.

وفي العام التالي قررت أن أتابع تحصيلي العلمي والحصول على الشهادة الثانوية وبفضل الله كان معهد أنامل الغوطة قد أكمل مسيرته التعليمية للعام الثاني وتم قبولي فيه أيضاً كطالب للشهادة الثانوية.

ورغم التحديات التي واجهتني، كوني متزوجا ولديّ من المسؤوليات ما لديّ، حصلت على شهادة التعليم الثانوي، الفرع العلمي وكلنا يعلم كم تحتاج هذه الشهادة من تفرغ ووقت ومجهود كبير وأن يمتلك الطالب معلومات أساسية ليتمكن من إكمال مسيرته والحصول على شهادته بالمعدل الذي يتمناه.

وبفضل المدرسين المتميزين الذين رافقونا الدرب ثانية وبسبب إصراري وعزيمتي للوصول إلى ما أطمح إليه استطعت التغلب على كل ما وقف في وجهي من عثرات وتحديات ونلت شهادة المرحلة الثانوية بمعدل جيد. وأنا اليوم أقف أمام معهد الإلكترون لأول يوم كطالب فيه.

ما أود قوله لكل من يقف متفرجاً يائساً يخاف التقدم نحو ما يريد ليس من الصعب أبداً أن تحقق ما تفكر به وليس من المستحيل أن تتخطى عوائق دربك.

لديك تحدّ وحيد لا يوجد غيره مهما كانت الظروف، أنت … أجل أنت! عندما تتحدى نفسك بكل ما عندك من إصرار وهمة لن يستطيع أي شيء في العالم أن يقف في وجهك. وإن لم تكن صاحب إرادة وعزيمة لن تبلغ مبتغاك ومهما طالت الأيام والشهور والسنوات.