حققت حلمي ضمن أقسى الظروف

حققت حلمي ضمن أقسى الظروفimage

21 سبتمبر 2020

أنا شاب أعيش مع أفراد أسرتي الثلاثة، أمي وأخواي. توفي والدي مذ كنت صغيراً، فأصبحت المعيل الوحيد لعائلتي لأنني أكبر إخوتي سناً.

كانت الأمور في السّابق تجري على ما يرام رغم صغر سني، ففي الصباح أذهب إلى المدرسة وحين رجوعي أذهب للعمل كي أستطيع تأمين احتياجات المنزل.
ولكن عندما بدأت الثورة السورية، وبعد نزوحا من بلدتنا إلى منطقة أخرى بسبب القصف العنيف الذي تعرضت له والدمار الذي لم يترك بيتاً إلا فتكه، وأيضاً بسبب الحصار القاسي الذي عانت منه الغوطة وأهلها كافة، فُرض عليّ العمل بشكل مكثف لإعالة أسرتي وتأمين مستلزماتها قدر المستطاع. وقد أصبح عملي بعد انتهاء دوامي المدرسي غير كافٍ، لذلك اضطررت للتوقف عن إكمال مسيرتي العلمية وانقطاعي عن الدراسة مجبراً لا مخيراً.

ولم تكن المشكلة الوحيدة في تكثيف العمل ولكن تأمين العمل بحد ذاته كان تحدياً كبيراً، خاصةً بعد أن أصبحت الأعمال الحرة وأعمال المهن نادرة جداً بسبب نقص المواد الأساسية والمستلزمات الضرورية في الغوطة. أما في المجالات التعليمية فلم أستطع الحصول على فرصة عمل لأنني لم أحصل حتى على الشهادة الثانوية كحد أدنى. وبعد جهد مرير وبحثٍ طال لأيام وأسابيع وجدت عملاً في إحدى نقاط الدفاع المدني وكان عملي مسعفاً للمصابين والجرحى جرّاء القصف، وغامرت بروحي وبدأت العمل على الرغم من المخاطر التي كانت تعترضني أثناء العمل، فكثيراً ما كنا نذهب للإنقاذ فور سقوط الصواريخ أو القذائف وإذ بالصاروخ يتبع أخاه فوراً وفي ذات المكان ليقضي على كل من تواجد لمساعدة المصابين وخاصة المسعفين منهم، ولكني كلما تذكرت حال أسرتي تلاشى خوفي من الموت ومن الصواريخ والقذائف فكل ما أفعله كان من أجلهم ومن أجل توفير راحتهم.

كنت أنظر كل مساء، عند عودتي للبيت، إلى كتبي بحرقةٍ وحنين متمنياً عودة تلك الأيام واللحظات. ودام ذلك حتى العام الماضي حين رأيت الإقبال الهائل الذي بدر من الطلاب للحصول على شهاداتهم الأساسية والثانوية. حينها قررت خوض هذه التحدي من جديد رغم كل المشاكل والعوائق التي قد تصادفني.

وبسبب التزامي بالدوام في نقطة الدفاع المدني صباحاً كان لابدّ لي أن أجد معهداً مسائياً لإتمام دراستي، كي يتوافق مع العمل الذي كنت أقوم به، وهنا تعرفت على معهد أنامل الغوطة الذي يستقبل الطلاب المنقطعين عن دراستهم ومن مختلف الأعمار، فسارعت بالتسجيل فيه وتم قبولي بفضل الله.

أردت بعزيمة الحصول على الشهادة الثانوية وبفرعها العلمي حصراً، والذي كان يحتاج لتفرغ وجهد كبيرين لكي أضمن نجاحي فيه، وهنا كانت الصعوبة في التوفيق بين عملي المفاجئ ودراستي التي يجب متابعتها باستمرار وأيضاً تأمين مستلزمات البيت. فأحياناً وأثناء حضوري لإحدى الجلسات العلمية في المعهد كان يتوجب عليّ الخروج بسبب القصف العنيف للقيام بواجبي الإنساني والالتحاق بفريق الإنقاذ وعلى الفور. وعلى الرغم من ذلك كله لم أسمح لعزيمتي بالانخفاض والهزيمة، كنت مصراً على متابعة ما بدأت به وما حلمت به طويلاً. وبفضل مساعدة الكادر التدريسي في المعهد وتعاونه معي وتفهم إدارة المعهد لظروفي العصيبة كنت أتخطى عثرات غيابي فقد كان من الأساتذة الكرام من يعيد لي الدروس الفائتة ومنهم من يساعدني في تنظيم وقتي ودراستي وكان لهم دور هام في إتمام مسيرتي وتغلبي على التحديات والمواجهات القاسية التي اعترضت طريقي.

وبدوري كنت أعمل نهاراً وأدرس ليلاً، ونادراً ما أستطيع النوم لكي أحقق ما أسعى إليه وبالنتائج المطلوبة إلى أن استطعت تحقيق هدفي والوصول إلى ذلك الحلم الذي لطالما سعيت إليه بالحصول على الشهادة الثانوية وبفرعها العلمي وقد سجلت اسمي كطالب في معهد الالكترون في الغوطة فهو ما كنت أرغب به مذ كنت صغيراً.